الاثنين، 9 سبتمبر 2013

أسطوره المينوتورس الجزء الثاني



مرت السنون وأهل اثينا يدفعون هذه الضريبة الغالية من أبنائهم الشبان إلى ان ظهر (ثيسيوس) وهو ابن ملك اثينا من امرأة ريفية والذي ألح على والده أن يرسله إلى كريت مع مجموعة الشبان والفتيات ليلاقي الماينوتور، كان ثيسيوس يشعر بمذلة شعبه وكان لديه أمل في أن يصرع الماينوتور ليخلص شعبه من هذا الثمن الباهظ وينهي عهد الذل، وبعد مجهود كبير اقنع (ثيسيوس) أباه بأن يذهب فركب السفينة مع رفاقه ماخرين البحر إلى جزيرة كريت، وكان ثيسيوس قد وعد أباه بأن ينزل الشراع الأسود للسفينة ويرفع الشراع الأبيض بدلاً عنه كإشارة لأبيه بأنه عاد حياً بينما يكون أبوه يراقب عودة السفينة من الأفق وهو على الشاطئ، وإن لم تتحقق النجاة فسيظل الشراع أسودَ وبذلك يعلم أنه لاقى مصرعه أمام الماينوتور.

ووصلت السفينة إلى (كونوسوس)ونزل منها ضحايا الماينوتور ليلقوا مصيرهم البشع، وكان من الطبيعي أن يمر هؤلاء الضحايا على الملك ليرى كم هم شباب أقوياء وكم هن فتيات حسناوات لكن (اريادني) ابنة الملك (ماينوس) أعجبت كثيراً بالبطل الاثيني (ثيسيوس) الوسيم مفتول العضلات كشأن الابطال الاغريق، وقد وعدها انه سيتزوجها إن ساعدته في التخلص من ذلك الوحش الدموي الذي يكون في الأصل اخيها من جهة الأم وتناست أن أخ (ثيسيوس) هو قاتل شقيقها

فقررت ان تنقذه من براثن الماينوتور، فقدمت له كرة من الخيطان وسيفاً بتاراً وفي لحظة دخول الضحايا إلى اللابيرنث قام (ثيسيوس) بربط الخيط عند المدخل، ليعود مسترشداً به بعد أن يقتل الماينوتور
وانتظر (ثيسيوس) حتى جن الليل وتسلل بين الممرات باحثاً في حذر عن غريمه المرعب، وحانت المواجهة عندما وجد الوحش نائماً فبادره بعدة طعنات قضت عليه واخمدت أنفاسه إلى الابد ونجح (ثيسيوس)في قتل الماينوتور وعاد ليتزوج من ابنة الملك كما وعدها ويفر معها من جزيرة كريت برفقة بقية الشبان الذين أنقذهم من المصير المحتم على يد ماينوتور، لكن لسبب ما نسي (ثيسيوس) خلال رحلة عودته على السفينة أن يرفع الشراع الأبيض فظن الأب الذي يراقب فدوم السفينة بأن ابنه لاقى حتفه فرمى نفسه في البحر حزناً عليه ليموت غرقاً.

ثمة تفسير تاريخي للأسطورة يشير إلى الوقت الذي كانت فيه كريت قوة مهيمنة سياسية وثقافية في بحر ايجه حيث كانت أثينا الوليدة الجديدة (وربما غيرها أيضاً من المدن اليونانية الأخرى) خاضعة لنظام الجزية لمصلحة كريت ومن المحتمل بأن هذه الجزية شملت فتياناً وفتيات للتضحية بهم كقرابين بشرية حيث دلت الكشوفات الأثرية على وجود أثلام في عدد كبير من الهياكل العظمية البشرية أمام مذابح على هيثة ثورلم تكن تدل فقط على التضحية فقط ولكن شملت ممارسة لطقوس أكل لحوم البشر وكانت تبذل الأضاحي التضحيات على شرف إله معبود بهيئة ثور ويجري تنفيذها بشكل مراسم يشرف عليها كاهن يلبس رأس ثور أو قناع وهو ما يفسر تصوير المايناتور وقد يكون ذلك الكاهن ابنا للملك (ماينوس) وعندما استطاعت مدن اليونان التحرر من هيمنة كريت عملت أسطورة الماينوتور على تشكيل الوعي الديني للأمراء الهيلينيين مستلهماً من معتقدات الماينويين.

يحتمل أن يكون مقلعاً مهجوراً للحجارة في جزيرة كريت هو الموقع الأصلي للمتاهة القديمة المنذكورة في الأسطورية الإغريقية بعد أن عثر فيه على شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض، حيث قام فريق من العلماء في بعثة للتنقيب عن الآثار في المحجر في صيف 2009 بالقرب من بلدة غورتاين في جنوب الجزيرة فوجدوا متاهة كتلك التي تحدثت عنها الأسطورة ولكنها تبعد عن قصر (ماينوس) الكائن في مدينة (كونوسوس) مسافة 20 ميلاً (قرابة 32 كيلومتر)، ومدينة (كونوسوس) كانت دائماً مرادفة لأسطورة ماينوتور منذ أن كشف التنقيب الأثري عنها منذ قرن من الزمان.

يعتقد علماء الآثار أنهم عثروا على متاهة معقدة داخل كهف بالقرب من مدينة (غورتاين) التي كانت عاصمة للرومان في جزيرة كريت وهي المرشح الأكثر قبولاً لموقع المتاهة التي ذكرت في الأسطورة، بعد أن كان يظن سابقاً ويقال دائماً لأكثر من 600 ألف سائح يزورون أطلال مدينة (كونوسوس) سنوياً أنها الموقع الشبه المؤكد لقصر (ماينوس) الملك الأسطوري الذي يفترض أن المتاهة المظلمة بنيت بجواره لإيواء المخلوق المخيف ماينوتور.

يرى بعض الأدباء والشعراء أن الماينوتور هو امتزاج للبهيمية والقوة والنبل في النفس البشرية ويقول علماء النفس إن الإنسان ليس ببشراً كله ولا ثوراً كله بل هو مزيج بين هذا وذاك والحقيقه ان أسطورة الماينوتور قد اوجدت لنفسها مكاناً خاصاً بين جميع الاساطير الاغريقية، وقد وردت تلك الأسطورة في الكثير من الكتب المختصة في دراسات الميثولوجيا الاغريقية مما الهب خيال المؤلفين والكتاب والروائيين فقاموا بإخراج روائع عن تلك الأسطوره الشيقة.

يشير عمل (جحيم دانتي) إلى الماينوتور حيث تجسده الصورة الظاهرة من تصوير (ويليام بليك) الذي يرمز إلى الجحيم الثانية عشرة من طبقات الحجيم وهي تظهر في المقطع (كانتو) 12 والمقاطع من 11 إلى 15، حيث كان على (دانتي) ومرشده (فيرجيل) اجتياز صخور شديدة الانحدار لكي يستعدوا للدخول إلى الدائرة السابعة من الحجيم فواجها الوحش الذي كان من بين أولئك " الملعونين لطبيعتهم العنيفة والمتعطشة للدم "، ولكن هذا الوحش لم يذكر بالاسم إلا في السطر 25، وفي اللحظة التي تذكر فيها (فيرجيل) ملك أثينا برز الماينوتور غاضباً ومشتتاً، فينطلق (فرجيل) و(دانتي) مسرعين إلى القنطور (كائن أسطوري بجسم حصان ورأس بشر ويحمل قوساً وسهماً) الذين يحرس (فليغثون) نهر الدم وهو أحد الأنهار الأسطورية في الميثولوجيا الإغريقية ولا نرى هذه الصلة بين الماينوتور مع القنطور في أي مرجع كلاسيكي حيث صور ويليام بليك الماينوتوركنوع من القنطور نفسه.


ومن الجدير بالذكر أن جحيم دانتي يمثل الفصل الأول من " الكوميديا الإلهية" وهي قصيدته الملحمية التي ألفها في القرن الرابع عشر، ويروي دانتي فيها رحلته إلى "الجحيم" بحسب المنظور الكنسي ويكون (فيرجيل) الشاعر الروماني مرشده في تلك الرحلة العجيبة. وتمثل الكوميديا الإلهية رحلة النفس إلى الله حيث يكون الجحيم فيها اعترافاً بالخطايا ورفضاً لها.

يعرف موقع كنوسوس الأثري بأنه موقع اللابيرينث. قُتل المينوتور في النهاية على يد ثيسيوس بن أيغيوس الذي تطوع بالذهاب لهذه المهمة بمساعدة أريادني ابنةمينوس بخيط أعطته له يكون أوله في بداية المتاهة فيمكنه الخروج. ومينوتور تعني بالإغريقية "ثور مينوس"، وكان اسم الثور أستريوس، وهو اسم يشترك فيه مع أبيهمينوس بالتبني. ربما أتت الأسطورة من احتفالات القفز على الثيران الموجودة على النقوش الكريتية والذي يبدو أنه كان طقسا دينيا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق